Friday, September 10, 2010

اجتلاء العيد



جاء يوم العيد ، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم ، زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس ، ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها .

يوم السلام والبشر، والضحك ، والوفاء والإخاء، وقول الإنسان للإنسان : " وأنتم بخير" .

يوم الثياب الجديدة على الكل إشعارا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم .

يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعا في يوم حب .

يوم العيد ، يوم تقدم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه .... يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة .

ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز ، وإلى داره نظرة تدرك الجميلة وإلى الناس نظرة ترى الصداقة .

ومن كل النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم ، فتبتهج نفسه بالعالم والحياة .

وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل!

****** ******** ********

وخرجت أجتلي العيد في مظهره الحقيقي على هؤلاء الأطفال السعداء.

على هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضاع فصارت ضحكات .

وهذه العيون الحالة التي إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها .

وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم .

وهذه الأجسام الغضة ( الطرية / اللينة ) القريبة العهد بالضمانات واللثمات ( القبلات) فلا يزال حولها جو القلب.

**** ***** *****

على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون قياسا للزمن إلا بالسرور.

وكل منهم ملك في مملكة ، وظرفهم هو أمرهم الملوكي.

هؤلاء المجتمعين في ثيابهم الجديدة المصبغة اجتماع قوس قزح في ألوانه .

ثياب عملت فيها المصانع والقلوب، فلا يتم جمالها إلا بأن يراها الأب والأم على أطفالهما.

ثباب جديدة يلبسونها فيكونون هم أنفسهم ثوبا جديدا على الدنيا .

**** ***** *****

هؤلاء السحرة الصغار الذين يخرجون لأنفسهم معنى الكنز الثمين من قرشين ....

ويسحرن العيد فإذا هو يوم صغير مثلهم جاء يدعوهم إلى اللعب ...

وينتبهون في هذا اليوم مع الفجر ، فيبقى الفجر على قلوبهم إلى غروب الشمس.

ويلقون أنفسهم على العالم المنظور ، فيبنون كل شيء على أحد المعنيين الثابتين في نفس الطفل : الحب الخالص ، واللهو الخالص. ويبتعدون بطبيعتهم أكاذيب الحياة ، فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقة السعيدة .

***** ***** *****

هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقد .

والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد .

يفتشون الأقدار من ظاهرها ، ولا يستنبطون كيلا يتألموا بلا طائل . ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها ، ولا يأخذون لأنفسهم للأشياء كيلا يوجوا لها الهم.

قانعون يكنفون بالتمرة ، ولا يحاولون اقلتلاع الشجرة التي تحملها . ويعرفون كنه ( السر) الحقيقية، وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها ...

فيجدون من الفرح في تغيير الثوب للجسم ، أكثر مما يجده القائد الفاتح في تغيير ثوب للمملكة .

**** **** *****

.........

...............

إذا لم تكثر الأشياء الكثيرة في النفس ، كثرت السعادة ولو من قلة .

فالطفل يقلب عينيه في نساء كثيرات ، ولكن أمه هي أجملهن وإن كانت شوهاء.

فأمه وحدها هي هي أم قلبه، ثم لا معنى للكثرة في هذا القلب.

هذا هو السر ، خذوه أيها الحكماء عن الطفل الصغير!!!

**** **** ****

وتأملت الأطفال ، وأثر العيد على نفوسهم التي وسعت من

البشاشة فوق ملئها ، فإذا لسان حالهم يقول للكبار : " أيتها البهائم ، اخلعي أرسانك ( مقود الدابة ) ولو يوما ....

أيها الناس انطلطوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون

حقيقتهم البريئة الضاحكة ، لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاق الوحش يوجد حقيقته المفترسة .

أحرار حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى ، ولكن في

أدق النواميس يثيرون السخط بالضجيج والحركة، يكونون مع الناس على خلاف، لأنهم على وفاق مع الطبيعة .

وتحتدم بينهم المعارك، ولكن لا تتحطم فيها إلا اللعب ...

أما الكبار فيصنعون المدفع الضخم من الحديد للجسم اللين من العظم.

أيتها البهائم ، اخلعي أرسانك ولو يوما ....

**** **** *****

لا يفرح أطفال الدار كفرحهم بطفل يولد، فهم يستقبلونه كأنه محتاج إلى عقولهم الصغيرة.

ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر الخلق، لقربهم من هذا السر.

وكذلك تحمل السنة ثم تلد الأطفال يوم العيد ، فيستقبلونه كأنه محتاج إلى لهوهم الطبيعي.

ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر العالم، لقربهم من هذا السر.

**** ***** ******

فيا أسفا علينا نحن الكبار !! ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر !!!

وما أبعدنا عن سر العالم ، بهذه الشهوات الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة !!

يا أسفا علينا نحن الكبار

!! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح !!!

تكاد آثامنا والله تجعل لنا في كل فرحة خجلة

.....

**** ***** ******

أيتها الرياض المنورة بأزهارها

أيتها الطيور

المغردة بألحانها

أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها

أيتها النجوم

المتلألئة بالنور الدائم

أنت شتى ، ولكنك جميعا في هؤلاء

*** ***

باختصار من كتاب ( من وحي القلم ) الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله.




Free Template Blogger collection template Hot Deals SEO

0 comments:

Post a Comment