Monday, September 6, 2010

المعنى السياسي في العيد



ما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلي أن نفهم أعيادنا فهما جديدا ، نتلقاها به ونأخذها من ناحيته، فتجيء أياما سعيدة عاملة، تنبه فينا أوصافها القوية، وتجدد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب و تحديد الفراغ وزيادة ابتسامة على النفاق ....


فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقون هذا اليوم، وكان العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة ، فأصبح عيد الفكرة العابثة، وكانت عبادة الفكرة جمعها الأمة في إرادة واحدة على حقيقتها عملية فأصبح عبث الفكرة جمعها الأمة على تقليد بغير حقيقة، له مظهر المنفعة وليس له معناها.


كان العيد إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه، وكان يوم استرواح القوة من جدها، فعاد، يوم استراحة الضعف من ذله، وكان يوم المبدأ ، فرجع يوم المادة.


ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأنّ فيه قوة تغيير الأيام ، لا إشعارها بأنّ الأيام تتغير، وليس العيد للأمة إلا يوما تعرض فيه جمال نظامها الإجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع ، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام لا القدرة على تغيير الثياب...كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يوما في شعبها الحربيّ.


وليس العيد ألا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.


وليس العيد إلا إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزة ( نقية \ مفصولة ) من نشاط الحياة، وإلا ذاتية للأمم الضعيفة، ولا نشاط الأمم المستعبدة ، فالعيد صوة القوة يهتف بالأمة :
" أخرجي يوم أفراحك ، اخرجي يوما كأيام النصر !


وليس العيد إلا إبراز الكتلة الإجتماعية ( الإعتصام \ الإتحاد ) للأمة متميزة بطابعها الشعبي مفصولة من الأجانب، لابسة من عمل أيديها ، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرة بقوتين في إيمانها و طبيعتها ، مبتهجة بفرحين في دورها وأسواقها ، فكأنّ العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه.


وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح والبهجة، ويعلّمون كبارهم كيف توضع الماني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ ( المنافر لغيره والمشاكس) لمنابذه ، فالعيد يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب .


ليس العيد إلا لتعليم الأمة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة فتجعل للوطن عيدا ماليا اقتصاديا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصانعة عيدها وتوجد للعلم عيده وتبدع للفن مجالي زينته بالجملة تنشئ لنفسها أياما تعمل عمل القواد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم إلى معنى من معانى النصر.


هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فرض العيد ميراثا دهريا في الإسلام ، ليستخرج أهل كل زمن معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة ، ويحققه خيالها وتقتضيه مصالحها.


وما أحسب الجمعة قد فرضت على المسلمين عيدا أسبوعيا يشترط فيه الخطيب والمنبر والمسجد الجامع- إلا تهيئة لذلك المعنى وإعدادا له، ففي كل سبعة أيام مسلمة يوم يجيء فيشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب كله.


ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب .....


( من وحى القلم : الأستاذ مصطفى صادق الرافعي )



Free Template Blogger collection template Hot Deals SEO

1 comments:

muslim_milenium said...

الشيخ على الطنطاوى عن يوم العيد الذي قضاه في إندونيسيا:

لقد تعلمتُ أن السعادة ليست بالأموال ولا بالقصور ولا بالخدم والحشم ولكنها بسعادة القلب وأن أقرب طريق إلى سعادة القلب أن تُدخل السعادة على قلوب الناس وأن أكبر لذات الدنيا هي لذة الإحسان لاأقصج الريال الذي تلقونه للسائل ترمونه إليه وأيديكم عاليه ووجيهكم مقطبه ولسان حالكم يقول :انظر هوانك وعزنا وفقرك وغنانا بل إن الإحسان أن تُعطوا من قلوبكم لا من أيديكم وحدها فيكون المال في اليد والبسمه على الشفاه والكلمه الطيبه المواسية على اللسان .أنكم تُرجعون بذلك إلى الفقير كرامته التي أضاعها وإنسانيته التي أفتقدها وتردون عليه روحه والروح أثمن الجسد والكرامه والإنسانيه أفضل من أموال الدنيا كلها


الذكريات ج6 ص 212-213-214

Post a Comment